
المقدمة:
تُعد مرحلة الطفولة من أهم المراحل في حياة الإنسان، إذ تترك تأثيرًا بالغًا في تشكيل شخصية الطفل، وتكوينه النفسي وتؤدي الأسرة دورًا محوريًا في هذه المرحلة، حيث تؤثر طرق تعاملها مع الطفل سواء بالإفراط في الحماية أو بالإهمال أو الرفض على مدى توافقه النفسي. وقد تُسهم هذه الأساليب في ظهور اضطرابات نفسية مثل قلق الانفصال أو التعلق المرضي، خاصةً في السنوات الأولى من عمر الطفل، إذ تمثل له هذه المرحلة صدمة نفسية كبيرة تؤثر على قدرته على التكيف داخل بيئة المدرسة.
وغالبًا ما يظهر ذلك في شكل قلق واضطراب نتيجة غياب الإحساس بالأمان والطمأنينة، مما ينعكس على علاقاته مع الآخرين، وقد يمتد أثره ليؤثر على جوانبه التعليمية أيضًا.
ويعد اضطراب قلق الانفصال من اضطرابات القلق الاكثر شيوعًا عند الأطفال، ويظهر على شكل قلق مفرط وخوف شديد عند الانفصال عن شخص مرتبط به عاطفيًا، عادة أحد الوالدين أو مقدم الرعاية. بينما يعتبر القلق الانفصالي أمرًا طبيعيًا بين 6 و12 شهرًا، فإن تطور الاضطراب يكون في عمر أو سياق غير مناسب، ويؤثر بشكل كبير على جودة الحياة والوظائف اليومية.
اولاً: ما هو قلق الانفصال؟
في الدليل التشخيصي للاضطرابات النفسية DSM–5–TR، اضطراب قلق الانفصال يتمثل في وجود خوف أو قلق مفرط وغير مناسب للعمر التطوري عند الانفصال عن المنزل أو عن الأشخاص المرتبط بهم الفرد عاطفيًا. يظهر القلق في شكل توقع مستمر للفقد أو الأذى لمن يحبهم، أو الخوف من أحداث غير متوقعة قد تؤدي إلى الانفصال، مثل الضياع أو الاختطاف. كما يتجلى في رفض متكرر للذهاب إلى المدرسة أو العمل، والخوف من البقاء بمفرده أو النوم بعيدًا عن الشخصيات المرتبطة به. وقد ترافقه كوابيس متكررة مرتبطة بالانفصال، إضافة إلى شكاوى جسدية مثل الصداع أو آلام المعدة أو الغثيان عند توقع الابتعاد. تسبب هذه الأعراض ضيقاً ذا دلالة إكلينيكية أو ضعفاً في الأداء الوظيفي.
ثانيًا: العوامل المسببة لقلق الانفصال لدى الأطفال:
تتعدد العوامل التي تساهم في ظهور قلق الانفصال عند الأطفال في سن المدرسة، وتشمل عوامل بيولوجية، ونفسية، واجتماعية. من الناحية البيولوجية، يلعب العامل الوراثي دورًا مهمًا، حيث تشير الدراسات إلى وجود استعداد وراثي للإصابة باضطرابات القلق. أما العوامل النفسية فتتضمن التعلم الشرطي للقلق، بالإضافة إلى أنماط التعلق غير الآمنة التي يطورها الطفل مع مقدمي الرعاية. وفي الجانب الاجتماعي، تساهم الأنماط المفرطة في الحماية أو النقد في زيادة القلق، كما تلعب ضغوط الحياة الخارجية دورًا، مثل وفاة أحد الأقارب، أو مرض الطفل، أو الانتقال إلى منزل أو مدرسة جديدة، مما يزيد من شعور الطفل بعدم الأمان عند الانفصال عن والديه أو مقدمي الرعاية.
ثالثًا: طرق التدخل والعلاج:
لعلاج قلق الانفصال عند الأطفال، تختلف الاستراتيجيات حسب شدة الأعراض. في الحالات الخفيفة، يكفي تقديم التثقيف والدعم الأسري، مع الحفاظ على روتين يومي منتظم يمنحهم شعورًا بالاستقرار ويؤكد أن كل شيء سيعود لطبيعته قريبًا، ويساعد الانفصال التدريجي على خفض القلق عن طريق التدرج حتى يعتاد الطفل على الموقف، بالإضافة لإعطاء الطفل فرصًا لخوض أنشطة بمفرده، مثل اللعب مع أطفال آخرين أو حضور صف جديد، يساعده على بناء ثقته بنفسه وقدرته على تحمل الانفصال.
أما العلاج الأولي الموصى به فهو العلاج الذهني السلوكي، الذي يركز على التعرض التدريجي للمواقف المثيرة للقلق وتعديل أنماط التفكير السلبية، عادةً يُجرى العلاج على شكل جلسات تتراوح بين 10 و15 جلسة، مدة كل منها 60–90 دقيقة، مع تطبيق المهارات المكتسبة في المنزل لتعزيز الفعالية.
قد يكون قلق الانفصال عند الأطفال مزمنًا إذا لم يُعالج، بينما يحقق التدخل المبكر نتائج جيدة رغم احتمالية الانتكاس. تشمل المضاعفات المحتملة او عوامل الخطر التغيب عن المدرسة، ضعف الأداء الأكاديمي، ومشكلات في الذاكرة واللغة، بالإضافة إلى زيادة خطر اضطرابات الشخصية والميل الانتحاري. لذلك، يُعد تثقيف الوالدين حول أساليب التعزيز الإيجابي والسلبي والفحص المبكر للأطفال والمراهقين أمرًا مهمًا.
رابعًا: الوقاية:
لا توجد طريقة مضمونة تمنع ظهور قلق الانفصال عند الأطفال، لكن هناك خطوات ممكن تساعد في الوقاية ومنع تفاقم الاعراض:
- إذا لاحظت إن قلق طفلك أكبر من الطبيعي مقارنة بالأطفال في نفس عمره، من الأفضل طلب استشارة مختص بأسرع وقت. التشخيص المبكر والعلاج ممكن يقلل الأعراض ويمنع الوضع من التدهور.
- الالتزام بخطة العلاج مهم جدًا، لأنه يقلل من احتمالية عودة القلق أو زيادة الأعراض.
- إذا كنت أنت نفسك تعاني من القلق أو الاكتئاب أو أي مشكلة نفسية، حاول تطلب العلاج والدعم القائم على الأدلة. فعندما تتعلم طرق صحية للتأقلم، تقدر تنقلها لطفلك وتساعده يواجه مخاوفه بشكل أفضل.