
مقدمة:
يمثل مفهوم جودة الحياة أحد المفاهيم المحورية في مجالات علم النفس، حيث يحظى باهتمام متزايد في الفروع النظرية والتطبيقية، خاصة في علم نفس الصحة وعلم النفس الإيجابي.
ويُنظر إليه كمعيار شامل لقياس رفاهية الإنسان من خلال تقييم مختلف جوانب حياته، مما يجعله أداة فعالة لفهم التفاعل بين الفرد والبيئة المحيطة به.
أولًا: مفهوم جودة الحياة
أشارت الأدبيات النفسية إلى أن جودة الحياة تتعلق بتقييم الفرد لخصائصه البدنية، النفسية، العقلية والاجتماعية، بالإضافة إلى مستوى توافقه مع ذاته ومع الآخرين.
حيث يرى معمرية (2020) أن جودة الحياة تعكس التوازن بين هذه الجوانب وتُعد مؤشرًا على صحة الفرد النفسية والاجتماعية.
في السياق ذاته، يؤكد عايش (2021) أن جودة الحياة تمثل تعبيرًا عن مستوى الرقي في الخدمات المادية والاجتماعية المقدمة لأفراد المجتمع، كما تعكس مدى إدراك الفرد لقدرة هذه الخدمات على تلبية احتياجاته الأساسية والمتقدمة.
ثانيًا: جودة الحياة كمفهوم متعدد الأبعاد
يتفق الباحثون على أن جودة الحياة ليست بُعدًا واحدًا، بل هي مفهوم متعدد الأبعاد، مما يستوجب أن تشمل أدوات قياسها كلًّا من المؤشرات الموضوعية (مثل الدخل، الصحة، والتعليم) والذاتية (مثل الرضا عن الحياة والشعور بالسعادة).
غير أن شالوك (Schalock) يرى أن هذا التقسيم قد يفتقر إلى المرونة، إذ إن بعض المتغيرات لا يمكن تصنيفها بدقة إلى فئات موضوعية أو ذاتية، وعليه اقترح نموذجًا أكثر شمولًا.
ثالثًا: نموذج شالوك (2004) لأبعاد جودة الحياة
قدم شالوك (2004) نموذجًا متكاملًا لتحليل جودة الحياة، اقترح فيه ثمانية أبعاد رئيسية، ولكل بعد ثلاثة مؤشرات محددة، على النحو التالي:
السعادة الانفعالية: الرضا، مفهوم الذات، انخفاض مستوى الضغوط النفسية
العلاقات بين الشخصية: التفاعل الاجتماعي، العلاقات الشخصية، الدعم الاجتماعي
السعادة المادية: الاستقرار المادي، العمل، ظروف المسكن
النمو الشخصي: التعليم، الكفاءة، الأداء الفردي
السعادة الجسدية: الصحة العامة، الأنشطة اليومية، أوقات الفراغ
تقرير المصير: الاستقلالية، القيم الشخصية، حرية الاختيار
الاندماج الاجتماعي: الترابط والمشاركة المجتمعية، الأدوار الاجتماعية، المساندة الاجتماعية
الحقوق البشرية: الحقوق الفردية، حقوق الجماعة، الالتزام بالقوانين والإجراءات القانونية
هذا النموذج يساهم في تقديم رؤية أكثر شمولًا وتكاملًا لجودة الحياة، ويرتبط ارتباطًا مباشرًا برفاهية الأفراد في مختلف البيئات والظروف.
خاتمة:
في النهاية، يتضح أن جودة الحياة ليست مجرد مفهوم نظري أو علمي، بل هي تجربة إنسانية يعيشها كل فرد بشكل مختلف، تتأثر بالظروف النفسية والجسدية والاجتماعية التي يمر بها.
فحين يشعر الإنسان بالرضا عن صحته، وعلاقاته، وظروفه المعيشية، وفرصه في التعلم والعمل والمشاركة، يكون أقرب إلى حياة أكثر توازنًا وسعادة.
لقد ساعدنا نموذج شالوك على فهم هذه الجوانب بشكل أوضح، من خلال تقسيم جودة الحياة إلى أبعاد تشمل المشاعر، العلاقات، الاستقلالية، وحتى الحقوق. وهذا يجعلنا نُدرك أن تحسين جودة الحياة لا يتطلب تغييرات كبيرة دائمًا، بل يبدأ من الاهتمام بجوانب صغيرة تؤثر في راحتنا النفسية والجسدية.
إن العناية بجودة الحياة ليست رفاهية، بل ضرورة، سواء كنا أفرادًا نبحث عن التوازن، أو مجتمعات تسعى لدعم أعضائها. ولهذا، فإن نشر الوعي حول مفهوم جودة الحياة وتطبيقاته يمكن أن يسهم في بناء بيئة أكثر إنسانية، يُقدَّر فيها كل فرد، وتُحترم احتياجاته وتطلعاته.
المرجع:
السلمي، أريج عوض. (2024). جودة الحياة وقلق المستقبل لدى مرضى الفشل الكلوي الخاضعين للغسيل الكلوي وزارعين الكلى في ضوء بعض المتغيرات الديموغرافية. جامعة تبوك.